مؤتمر الرياض COP16- توحيد الجهود العالمية لمكافحة التصحر

المؤلف: عبد الله البريكي11.03.2025
مؤتمر الرياض COP16- توحيد الجهود العالمية لمكافحة التصحر

في مواجهة التحديات البيئية المتفاقمة التي يشهدها كوكبنا، يبرز مؤتمر الأطراف السادس عشر (COP16) لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، والذي تحتضنه الرياض في الفترة من الثاني إلى الثالث عشر من ديسمبر، كمنصة عالمية محورية لمناقشة واحدة من أخطر المشكلات البيئية الملحّة، ألا وهي "التصحر.. وكيفية تحييد تدهور الأراضي؟".

يمثل هذا المؤتمر خطوة ضرورية لتركيز الطاقات الدولية لمواجهة هذه الظاهرة المقلقة التي تهدد استقرار الأمن الغذائي، والموارد الطبيعية الثمينة، والازدهار الاجتماعي والاقتصادي على مستوى العالم بأسره.

وتعتبر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، جنبًا إلى جنب مع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع البيولوجي، الركائز الأساسية الثلاث للاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف، والتي انبثقت عن قمة "ريو دي جانيرو" التاريخية في عام 1992. تم اعتماد هذه الاتفاقية الهامة في باريس عام 1994، وحظيت بتصديق 196 دولة.

يشير مصطلح "التصحر" إلى تدهور الأراضي، وبشكل خاص في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة، نتيجة لعوامل بشرية وأخرى طبيعية، مثل: التغيرات المناخية المدمرة، والاستغلال الجائر للموارد الطبيعية المتوفرة. تشير التقارير الموثوقة إلى أن التصحر يؤثر سلبًا على حياة 3.2 مليار شخص حول العالم، ويتسبب في تدهور مساحة تقدر بنحو 12 مليون هكتار من الأراضي سنويًا، ويؤثر على جميع قارات العالم. كما يمثل خطرًا جسيمًا يهدد صحة الإنسان وسلامته، والتنوع البيولوجي الغني، واستقرار المناخ، والأمن الغذائي الحيوي، والاستقرار العام، مما يزيد من حدة الأزمات الغذائية والمائية والهجرة القسرية للسكان.

تسعى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، التي تأسست في عام 1994، جاهدة للتصدي لهذه التحديات المعقدة، من خلال تعزيز التعاون الدولي المثمر لحماية الأراضي واستعادتها وضمان الاستخدام الرشيد والمستدام للموارد الطبيعية المتاحة.

يمثل مؤتمر الأطراف "COP16" فرصة استثنائية للدول الأعضاء لتقييم التقدم المحرز في مجال مكافحة التصحر، وتبادل الخبرات والمعرفة القيمة، وتطوير خطط عمل مبتكرة تتلاءم مع الظروف الراهنة.

من المتوقع أن يركز المؤتمر هذا العام بشكل خاص على تعزيز الشراكات الدولية الفعالة لدعم المشاريع الهادفة إلى استعادة الأراضي المتدهورة، ومناقشة تأثير التصحر المدمر على الأمن الغذائي العالمي، وإبراز دور الابتكار في معالجة هذه المشكلة، وتطوير استراتيجيات فاعلة للتكيف مع تغير المناخ وتأثيراته السلبية على الأراضي.

إن استضافة المملكة العربية السعودية لهذا المؤتمر الهام ما هي إلا انعكاس حقيقي لدورها المتنامي في معالجة القضايا البيئية العالمية الملحة، وتأتي في إطار رؤية المملكة العربية السعودية 2030 الطموحة، التي تضع الاستدامة البيئية في صميم استراتيجياتها، من خلال إطلاق مبادرات رائدة مثل: مبادرة "السعودية الخضراء" الطموحة التي تهدف إلى زراعة 10 مليارات شجرة، من خلال المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر (NCVC) بالتعاون الوثيق مع القطاعات الحكومية والقطاع الخاص الحيوي، وكذلك منظمات القطاع غير الربحي المتميزة، بالإضافة إلى مبادرة "الشرق الأوسط الأخضر" الملهمة، حيث تقود المملكة تحالفًا إقليميًا واسع النطاق لزراعة 40 مليار شجرة. هذه الجهود المباركة لا تساهم فقط في مكافحة التصحر على الصعيد المحلي؛ بل تقدم نموذجًا رائعًا يحتذى به للتعاون الإقليمي والدولي المثمر.

ينتظر العالم بأسره أن يخرج "COP16" بقرارات حاسمة وبنّاءة تساهم بفاعلية في حماية الأراضي وتحقيق الاستدامة المنشودة. ومن بين هذه التطلعات، تعزيز التمويل الدولي للمشاريع البيئية الحيوية، وتطوير سياسات رشيدة تدعم المجتمعات المحلية المتضررة، وزيادة الوعي بأهمية حماية الموارد الطبيعية الثمينة.

بشكل عام، يمثل مؤتمر الأطراف السادس عشر فرصة ذهبية لتوحيد الجهود العالمية لمواجهة التصحر وبناء مستقبل أكثر استدامة وإشراقًا. ومن الرياض، تنطلق رسالة أمل متجددة نحو كوكب أكثر اخضرارًا وازدهارًا، حيث التعاون الوثيق والعمل الجماعي هما المفتاح السحري للتغلب على أحد أخطر التحديات التي تواجه البشرية جمعاء.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة